رؤيتنا للحل

لا تزال السلطات الجزائرية ترفض معالجة مأساة المختطفين وعائلاتهم الى غاية اليوم رغم ترويجها لمغالطة المصالحة الوطنية. فبعدما كانت تنكر كليا وجود قضية اسمها قضية المختطفين بداية سنوات التسعينيات، ادى النضال والعمل الدؤوب الذي قامت به عائلات المختطفين بمساعدة بعض المحامين وبدعم من بعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان الى بروز القضية على الساحة الوطنية والدولية سنة 1997 ثم توج ذلك باعتراف السلطات الجزائرية بوجود القضية اول مرة سنة 1998 بعد زيارة وفد من الأمم المتحدة اين قام الرئيس ليامين زروال باستقبال ممثلين عن عائلات المختطفين ووعد بالتكفل بالملف.

تم على إثر ذلك فتح مكاتب مؤقتة على مستوى الولايات بما فيها ولاية جيجل من اجل احصاء حالات الفقدان القسري. اثبت الزمن ان مبادرة رئيس الجمهورية آنذاك كانت غير صادقة وكانت فقط معدة لتحسين صورة السلطة على المستوى الدولي وإعطاء الانطباع انها تكفلت بالملف.

سنة 2003 تم حل المرصد الوطني لحقوق الإنسان برئاسة كمال رزاق بارة وانشاء اللجنة الوطنية الاستشارية لتنمية وحماية حقوق الإنسان برئاسة فاروق قسنطيني والتي قامت بمهمة إحصاء حالات الفقدان القسري على المستوى الوطني إما عن طريق تنقل عائلات الضحايا الى مقرها المركزي بالجزائر العاصمة او عن طريق تنقل بعثة عن اللجنة الى بعض الولايات، دون ولاية جيجل، ولكن دون اي إعلان مسبق وتحت تكتم شديد من اجل تسجيل العدد الأدنى للحالات وبالتالي تقزيم عددها على المستوى الوطني.

بعد انتهاء اللجنة من مهمتها هذه سنة 2005 قدمت تقريرا رسميا الى رئيس الجمهورية دون نشره على العلن مع الاعتراف رسميا بوجود 6146 حالة فقدان قسري على يد قوات الأمن ولكن مع تبرئة الدولة من اي مسؤولية جزائية بالقول ان عناصر قوى الأمن تصرفوا بشكل فردي دون وجود اي اوامر وان الدولة مسؤولة ولكنها غير مذنبة.

زيادة على كون اللجنة الوطنية الاستشارية لتنمية وحماية حقوق الإنسان لم تكن لديها أي سلطة من أجل إجراء تحقيقات والوصول الى الأرشيف الرسمي او احالة الجناة على العدالة، فإن قولها ان 6146 حالة اختطاف هي بفعل تصرفات فردية لعناصر الأمن يناقض الحقائق الثابتة. فحسب إحصاءاتنا كانت عمليات الاختطاف بقوم بها من 3 إلى 10 أعوان أمن، مما يعني ان من 18000 الى 60000 عون امن ـــ او من 60000 الى 120000 عون امن حسب تقديرات عائلات المختطفين ــــ تصرفوا بشكل فردي وهو امر لا يقبله عاقل خاصة إذا علمنا أن أغلب الاختطافات قامت بها عدة اجهزة امنية مع بعضها البعض كما كانت تسمى “القوات المشتركة” مما يعني وجود تنسيق مسبق واوامر على اعلى مستوى. بدون ان ننسى تصريح رئيس الحكومة رضا مالك أنداك بأن الرعب سيغير معسكره مما يدل على وجود ارادة سياسية لارتكاب الاختطاف كممارسة ممنهجة ومعممة من اجل التخلص من جزء من الشعب بسبب فوزه في الانتخابات النزيهة الوحيدة التي عرفتها الجزائر الى غاية اليوم. يضاف الى ذلك شهادات الكثير من الضباط الذين كانوا داخل الأجهزة الأمنية آنذاك حول وجود أوامر اختطاف المواطنين واعدامهم دون تقديمهم للعدالة.

في سبتمبر 2005 تم تمرير الاستفتاء حول ما سمي ميثاق السلم والمصالحة الوطنية دون اجراء اي حوار مع عائلات المختطفين بكونهم المعني الأول بل أكثر من ذلك تعرضت عائلات المختطفين والنشطاء الحقوقيون والسياسيون الى القمع والمتابعة القضائية لأنهم عملوا على توعية المواطنين بضرورة مقاطعة الاستفتاء. في فبراير 2005 صدرت في الجريدة الرسمية المراسيم التنفيذية لما سمي ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والتي الغت حق العائلات في الحقيقة والعدالة بالإضافة الى انها مجدت مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من قوات الأمن بوصفهم صناع نجدة الجمهورية, كما منعت اي متابعة قضائية في حقهم و نصت على عقوبة السجن والغرامة المالية لكل من “من يستغل جراح المأساة الوطنية للمساس بمؤسسات الدولة والإضرار بسمعة اعوانها الذين خدموها بشرف او لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية”.

إن ما سمي ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يتناقض مع الدستور الجزائري خاصة في مادته 132 التي تنص على غلبة الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني. هذه الاتفاقيات وعلى راسها الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت وصادقت عليه الجزائر سنة 1989 يكفل حق عائلات المختطفين في الحقيقة والعدالة الذي الغاه هذا الميثاق.

رؤيتنا للحل هي أنه أولا يجب أن تتوفر ارادة سياسية حقيقة لحل قضية المختطفين وهو ما لا يمكن في ظل استمرار نفس النظام الذي ارتكب هذه الجرائم ضد الإنسانية في الحكم. لذلك فحل هذه القضية مرتبط مباشرة بحدوث تغيير سياسي جذري لنظام الحكم ويقوم مقامه نظام حكم ديمقراطي مبني على احترام الإرادة الشعبية والتزامات الجزائر الدولية فيما يخص حقوق الإنسان. حينذاك وبوجود ارادة سياسية يمكننا التأسيس لمصالحة حقيقة مبنية على الحقيقة والعدالة والإنصاف ولنا في الكثير من التجارب الدولية مثالا على ذلك.