من نحن

جمعية المشعل لأبناء المفقودين بجيجل  ويظل الكفاح مستمرا…

Association Meshaal des Enfants de Disparus de Jijel

 ص.ب: 234 – جيجل – 18000

البريد الإلكتروني: aed.jijel@gmail.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويظل الكفاح مستمرا…

تعد ولاية جيجل، هذه المنطقة الساحلية المتواجدة بالشرق الجزائري على بعد 350 كلم من العاصمة، من الولايات التي عانت من ويلات مأساة متعددة الأبعاد إلى درجة مهولة، يعجز كل حديث، مهما كان، أن يعكس حجم الجحيم الذي قاست منه، ولا يزال وقع معاناة وقلق الضحايا حتى يومنا هذا جسيما. نغتنم هذه الأسطر لكي نقدم شهادتنا على أحداث فترة قاسية ومظلمة في تاريخ المنطقة. 

فطيلة حقبة التسعينات، وجدت عائلات المفقودين نفسها وحيدة، بلا عون أو سند، تكابد أحزانها وقلقها في جو من الرعب، وقد تخلى عنها المجتمع المدني المزعوم، الغارق في الفساد (من أحزاب سياسية وجمعيات وصحافة….) بل وأحيانا المتواطئ مع السلطة القائمة.

ولنا أن نتساءل ما تفسير تلك البيانات الأمنية الصادرة هنا وهناك على مدار سنين بحالها، تتباهى بالإنجازات الباهرة التي حققتها الأجهزة الأمنية التي ” قضت على إرهابيين خطرين”، في حين كان من المعروف لدى العام والخاص بجيجل، سواء في المدن أو في القرى، أن هؤلاء “الإرهابيين” المزعومين لم يكونوا سوى مواطنين مسالمين انتزعوا من وسط أسرهم، وتعرضوا لتعذيب وحشي، واحتجزوا في ظروف غير إنسانية، خلال فترات متفاوتة إلى أن تبدو عليهم ملامح “الإرهابيين” بشكل نمطي، ليتم بعد ذلك إعدامهم، خارج إطار القضاء، والإلقاء بجثتهم في الطرق والشوارع بغية ترويع المجتمع، المتهم جملة بأنه، “لم يحسن التصويت”، ومن ثمة شحذ الكراهية بين المواطنين. 

فالأمر لم يكن، للأسف الشديد، مجرد “أفعال معزولة” كما يدعيه إلى يومنا هذا مزورو ا التاريخ، بل المسألة تتعلق باستراتيجية مخطط لها، وتتم بتنسيق محكم، بحيث صيغت في شكل برنامج سياسي انتهجه نظام غير شرعي وحاقد.

وللتذكير، ألم يتباهى علنا رضا مالك، رئيس السلطة التنفيذية آنذاك، والعضو في المجلس الأعلى للدولة، وهي أعلى سلطة كانت تحكم البلاد، بأنه” سيجعل الرعب ينتقل إلى المعسكر الآخر”، وهو يقصد بذلك، نقل الرعب ليعم الجزء الشاسع من الجزائر عديمة الفائدة من وجهة نظره، ذنب أهلها في ذلك تأخرهم في اتخاذ موقف يدعم الانقلابين.

لكن لا بد أن نزيل كل لبس قد يتبادر إلى الأذهان، فلسنا نقصد بأي حال من الأحوال من خلال مقالنا هذا، تبرئة الجماعات المسلحة، أو الدفاع عنها، حتى وإن تبين لاحقا أن الغالبية منها كانت مجرد أدوات تم تسخيرها بحيث كانت تقوم بأعمال لحساب السلطة ليس إلا، أو لحساب بعض الجماعات داخل هذه السلطة. وكما أسلفنا فقد عاشت ولايتنا في تلك الحقبة ذروة الرعب.

في سنوات التسعينات، كانت النساء؛ زوجات، أمهات وأخوات المفقودين في منطقة جيجل؛ وحدهن من تجرأن على التقدم إلى مراكز الشرطة أو ثكنات الدرك والجيش أو المقر الرئيسي للقطاع العسكري العمليات بولاية جيجل، المشهور باسم “السيكتور”، أو “الفيلا” التي تأوي فرع دائرة الاستعلامات والأمن، والواقعة قبالة مدرسة التكوين شبه الطبي. وكن هؤلاء النسوة تترددن ذهابا وإيابا إلى تلك المراكز بادية عليهن علامات التيه، الصدمة والذهول، بحثا عن زوج أو ابن أو أخ مفقود، ألقي عليه القبض البارحة أو منذ أشهر من قبل أجهزة الأمن، بمختلف تشكيلاتها، ولم  تظهر عنه أية أخبار لا بالحياة ولا بالموت. وقد كن يتعرضن في كل مرة للتهديد الشتم بألفاظ بذيئة وحتى الضرب.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن العزلة الجغرافية والإعلامية اللتين تميزت بهما المنطقة قد جعلا منها مملكة حقيقية للجلادين والسفاحين يتحكمون فيها برقاب الناس.

 كما أن الإقبال منقطع النظير في الانتخابات التشريعية، وهي الانتخابات التعددية الحرة الوحيدة التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال، هذا إلى جانب نسبة الفوز العالية على الصعيد الوطني التي حققتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في هذه الانتخابات بولاية جيجل، قد شكلا أفضل حجة تذرعت بها السلطة الحاكمة لممارسة حملتها القمعية على نطاق واسع. كما كان لتمركز قيادة “الجيش الإسلامي للإنقاذ” في جبال جيجل ذريعة لا تعوض، اغتنمها كل من كان يحلم بالإجهاز على مواطني المنطقة… ومن هنا همس الجلاد: ألزموا الصمت، نحن نقتل، نختطف ونمارس التعذيب!

وقد كانت الحصيلة مروعة بحق، إلى درجة أن شبه قدماء المجاهدين، الذين عاصروا حرب التحرير الوطني، هول ما عاشته المنطقة في هذه الحقبة الدامية، بحملات القمع الاستعماري، ولكن هول مأساة التسعينات كان الأسوأ من حيث بشاعة الجرائم وسعة نطاقها! فعامي 94و95، كان يقابلهما عامي 1956 و1957، غير أن ذاكرة القدماء تشهد على انه حتى الجيش الاستعماري لم يجرؤ على ارتكاب مثل تلك الجرائم وبتلك الدرجة من البشاعة والتهكم. وقد كان التعذيب وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، المصير اليومي لكل من اشتبه في تعاطفه مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو لمجرد أنه معروف عنه احترامه للقيم الإسلامية.

أما الآن وقد التأمت الجراح، ودُفِن الموتى، ولم يعد أحد يبكيهم، تبقى مأساة المفقودين تؤرق الوجدان، تخيم بظلها في الأجواء ولا تفارق الذاكرة، فلا هم في عداد الموتى ولا في عداد الأحياء. 

فبعد حالة الشلل التي كبلت أقارب المفقودين طيلة عقد من الزمان، حصاده وديان من الدماء والدموع، لم يتمكن هؤلاء الأقارب إلا في أواخر التسعينات، من الانعتاق من ذلك الشلل والبدء في الحديث، بأصوات خافتة في بداية الأمر، ثم سرعان ما تعالت هذه الأصوات تجهر بعزم وإصرار متصاعدين.

وفي ظل هذه الأجواء شرع بعض النشطاء في إحصاء حالات الاختفاء القسري في المنطقة، وهم يتنقلون من بيت لبيت، في جميع البلديات، سواء القريبة منها أو البعيدة في منطقة جيجل. وبفضل انضوائهم في إطار جمعية عائلات المفقودين بجيجل، تمكنوا من جمع أكثر من 200 حالة موثقة في عداد المفقودين، الذين اختطفهم عناصر من الجيش أو الشرطة أو الدرك في الولاية والمقدر عددهم بحوالي 1000.

وبعد سنوات من نضال هؤلاء الأمهات والزوجات، اللواتي ضربن أنصع وأنبل نماذج الشجاعة والوفاء، يحدوهن الأمل أحيانا في العثور على أحبائهن، ويتجرعن أحيانا كثيرة، كأس الإحباط من جراء نفي وتقاعس السلطات في الاعتراف بقضيتهن، فقد جاء اليوم دور الشباب لحمل المشعل واستئناف المسيرة، لمواصلة النضال السلمي من أجل كشف الحقيقة وإحلال العدالة.

لذلك قمنا بتأسيس “جمعية المشعل لأبناء المفقودين بجيجل”؛ كخطوة أولى لتأسيس جمعية وطنية لأبناء المفقودين بالجزائر؛ التي رسمت لنفسها هدف القيام أولا بإسناد ودعم أشقائهم الكبار الذين سبقوهم على درب النضال، ثم تحمل عبء هذه المسؤولية لاحقا إذا لزم الأمر. 

وهكذا، فمنذ عقد الجمعية العامة التأسيسية في 22 ماي 2009 وتقديمنا ملف طلب الاعتماد لدى مكتب الجمعيات بولاية جيجل في 24 ماي 2009 الذي لم يقابل عندها بتسليمنا وصل الإيداع كما هو منصوص عليه قانونا، استطاعت الجمعية بالفعل من توثيق أكثر من 100 حالة جديدة من حالات الاختفاء القسري وأكثر من 50 حالة للإعدام خارج نطاق القضاء، ووضعت تحت تصرف أسر الضحايا خلية تهتم بالاستماع إلى انشغالاتها وتتبادل المعلومات معها.

وقد رحبت عائلات المفقودين، إلى جانب العدد الكبير من المتعاطفين معها داخل وخارج البلاد، بحماس كبير، بنشأة جمعيتنا، ومن هذا المنطلق نغتنم هذه الفرصة لنعرب عن امتناننا للجميع، وخاصة لسائر المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان التي أعربت عن تعاطفها ودعمها ومساعدتها لنا.

لحد الآن ورغم انقضاء الآجال القانونية المحددة في المادتين 7و 8 من القانون رقم 90-31 المؤرخ في 17 جمادى الأولى عام 1411ه الموافق 4 ديسمبر 1990 م المتعلق بالجمعيات لم نتلق أي رد من قبل مكتب الجمعيات بولاية جيجل. وقد قمنا على إثر هذا بمراسلة السيد والي ولاية جيجل وننتظر ردا رسميا منه.

 ونظرا لشح الموارد المتوفرة لدينا، والإمكانيات التي تكاد تكون منعدمة، تبدو مهمتنا صعبة للغاية، لكننا مع ذلك يبقى التزامنا بالقضية راسخا ولنا الثقة الثابتة التي لا تكل، في إرادتنا الراسخة، وفي دعم جميع النشطاء والمتعاطفين مع قضية المفقودين لتحقيق الأهداف التي حددها القانون الأساسي لجمعيتنا وتشريف ذكرى مفقودينا الأعزاء على قلوبنا.

جيجل في 24 سبتمبر 2009

عن جمعية المشعل لأبناء المفقودين بجيجل.

موسى بورفيس

الرئيس